قضت رياح التغيير و التطور أن يمر الإنسان بفترات متباينة المعالم و السمات، و متداخلة الأبعاد و الحدود ،إنها دورة الحياة التي تأبى أن يظل المرء سجين مرحلة واحدة ، فكل انتقال من مرحلة عمرية إلى أخرى يعني تراكما جديد و معطيات جديدة و بالتالي بناء شخصية جديدة ، وإذا كان العلاج يبدأ بتشخيص الداء لمعرفة كنهه و تفسير أعراضه فالمراهقة كذلك مرحلة عمرية تتطلب النظر بعيون المختص المتفائل لا المتوجس الخائف من آثارها، فإذا فهمت أسبابها و أعراضها كان من اليسر إيجاد حلول عملية و منطقية استجلابا لمنافعها و استدفاعا لمفاسدها و سلبياتها، و لعل الربط بين المراهقة و المدرسة يعني الحديث عن مرحلة انتقالية تتسم بعدد من التغيرات التي لا يتوقف تأثيرها عند البيت فقط بل تتجاوزه إلى المدرسة ، وباعتبارها فضاء تربويا للتلقي و التعلم ،فإنها تبقى فضاء مهما للتفاعل مع المراهق ، فما هي أبرز مشاكل المراهق داخل المدرسة؟ و ما هي أهم التغيرات السلوكية و العملية التي يشهدها المراهق؟
إن المراهقة مرحلة عمرية تشهد نموا جسميا و نفسيا و ذهنيا،بحيث يصبح المراهق شخصا واعيا بمجموعة من الأشياء التي افتقدها في طفولته،فيرى في نضجه وسيلة لتحقيق ما يتطلع إليه من آمال بحيث يخلق عالما مثاليا سرعان ما يصطدم بواقع بعيد عن أهدافه المسطرة، فينعكس ذلك على سلوكاته بشكل كبير ، و إذا كانت انفعالاته تبدأ في حضن الأسرة ، فسرعان ما ينقلها إلى فضاء المدرسة و الفصول الدراسية، فتتخذ سلوكاته شكلين أساسيين هما : الخضوع الكلي لأوامر المدرسين و المؤطرين التربويين أو إعلان الثورة في وجه الجميع، و كلاهما سلوكان مرفوضان لان الأول يعني الانطواء و الغياب الكلي لشخصية المراهق، أما الثاني فهو شكل فوضوي قد يدمر الذات بشكل كلي، فلا مفر اذن من نهج شكل معتدل و مقبول لتحقيق التوازن المرغوب.
و تتعدد العوامل في ما يتخبط فيه المراهق من أزمات، يمكن حصر بعضها في ما يلي :
أ- التحرر الشديد الذي تمنحه الأسرة للمراهق في هذه الفترة .
ب- قوة الضغط الذي يمارس على المراهق و انتقاد تصرفاته بشكل متواصل.
ج- عجز الأسرة خاصة الوالدين في السيطرة على سلوكيات المراهق.
د- سوء معاملة الطاقم التربوي و الإداري للمراهق مما يساهم في زيادة ثورته بدل نقص حدتها.
ه- قسوة الحياة التي يعيشها المراهق في جوه الأسري و كثرة مشاكله و إحساسه بالحرمان ماديا و معنويا
من هنا يتضح لنا التعالق الموجود بين ما يعيشه المراهق داخل الأسرة و ما ينتج عنه من ردود أفعال داخل المدرسة، فالمراهق ابن بيئته و مجموع ما تلقاه من قيم و مبادئ منذ طفولته يكون لها أبلغ التأثير على بناء شخصيته عند المراهقة ، و لتجاوز هذه المشاكل يمكن اقتراح ما يلي :
أ- العمل على تقريب الصلة بين الأستاذ و التلميذ خاصة في المرحلة الثانوية، بحيث تتجاوز علاقة أستاذ-تلميذ لتغدو علاقة صداقة .
ب- القيام بحملات توعوية داخل المدرسة لتحسيس الأطراف المعنية بصعوبات المرحلة و العمل على تخطيها.
ج- محاولة توريط التلميذ بشكل ايجابي وإشراكه في إنتاج الدرس و تربيته على حس المساءلة و المناقشة.
د- اعتماد الوسطية و الاعتدال في معاملة المراهق بحيث يترك له هامش للتعبير عن آرائه دون أن يتحول الفصل لمسرح تعم فيه الفوضى.
ه- فتح قناة للتواصل باستمرار بين
الأستاذ و آباء و أولياء التلاميذ في محاولة لتفسير سلوكات التلاميذ.
ن- إنشاء خلية سوسيونفسية تتوخى معالجة الحالات المستعصية، و تفتح باب الحوار بين الأطراف المعنية.
ختاما يمكن القول إن المراهقة مرحلة طبيعية لا ينبغي اعتبارها أزمة أو مأزقا يصعب تخطيه، بل فترة عادية وجب توالي الجهود و تعاون كل الأطراف لتجاوزها بيسر.